كم هو رائع أن يجد الواحد منا صديقًا وفيًّا يشعر معه بالراحة، ويسعد بصحبته، ويلجأ إليه في المواقف الصعبة ليشاوره وينصحه ويعينه!
حقًّا إن الصداقة الطيبة بين أهل الخير جميلة، حيث تنسجم فيها القلوب والأرواح، وتحلو بها الأوقات والمناسبات، كما إن للصداقة أثرًا عظيمًا في حياتنا، ليس فقط في الدنيا، وإنما أيضًا في الآخرة، ولهذا قال الرسول صلي الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يخالل» رواه أبو داود والترمذي، وحسنه، وحسنه الألباني وغيره.
وهذا يعني أن الإنسان حين يختار صديقًا مؤمنًا نقيًّا، ويقضي معه أكثر أوقاته، فهذا دليل على حبه للإيمان والتقوى، كما أن من يختار صديقًا عاصيًا فاسقًا يُمضي معه أكثر ساعاته، فهذا دليل على حبه للمعاصي وإنْ لم يفعلها، فالصديق إمَّا أن يُحبِّبَك ويقودَك إلى طريق الرحمن، فتسعد في الدنيا والآخرة، وإما أن يقودك إلى طريق الشيطان، حيث الشرور والمعاصي وتضييع الأوقات، فتشقى في الدنيا والآخرة، مثلما حدث مع عقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف. فما قصتهما؟
¤ الصداقة الجهنمية:
كان أمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط صديقينِ متحابَّينِ مُتصافِيينِ كأحسن ما تكون الصداقة بين رجلين من رجال مكة، وذات يوم جلس عقبة مع رسول الله صلي الله عليه وسلم، فظل النبي صلي الله عليه وسلم يُرغِّبه ويدعوه إلى الإسلام، فما لبث عقبة أن نطق بالشهادتين وأعلن إسلامه وترْكه لعبادة الأصنام.
وفي ذلك الوقت كان صديقُ عقبة، وهو أمية بن خلف، غائبًا في سفر، فلما عاد إلى مكة وعلِم بإسلام صديقه عقبة أسرع إليه غاضبًا وقال: وجهي من وجهك حرام -يعني أخاصمك وأقاطعك- إن تابعتَ محمدًا، أو جالسته، أو سمعت منه، ولا أُكلِّمك أبدًا حتى تذهب إلى محمد وتكْفُر به وتشتُمه، وتُريَه منك ما يكره.
احتراق خدي الكافر:
كان النبي صلي الله عليه وسلم في ذلك الوقت مُستضعفًا في مكة لقلَّة مَن أسلموا معه، ولوقوف قريش كلها ضدَّه، فذهب عقبة إلى حيث يجلس النبي صلي الله عليه وسلم وفعل ما طلبه منه صديقه أمية وآذى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أشقى القوم:
ومرة أخرى، يتمادى الصديقان الخبيثان في شرهما وإيذائهما، فبينما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة وبعض من رجال قريش جلوس وقد ذُبِحت ناقة، فيقول أحدهم: أيُّكم يقوم إلى سلا جزور -أي أمعاء الناقة- بني فلان، فيأخذه ثم يضعه على كتفي محمد إذا سجد، فقام أشقى القوم عقبة بن أبي معيط فأخذه، فلما سجد النبي صلي الله عليه وسلم وضَعه بين كتفيه، فضحك القوم وجعل بعضهم يميل على بعض في سرور، والنبي صلي الله عليه وسلم ساجد ما يرفع رأسه، حتى جاءت فاطمة بنت النبي صلي الله عليه وسلم فطرحته عن أبيها صلى الله عليه وسلم.
وفي الحلقة القادمة نستكمل حديثنا حول الصداقة المدمرة فإلى اللقاء.
الكاتب: يوسف إسماعيل سليمان.
المصدر: موقع لها أون لآين.